بإبتسامة، ملقيا السلام قبل وصولي إلى قلب المحل
هذه المرة لم يقف محمد ويصافحني كعادته ولم يرد بكلمة "حبيبي
تطلعت إلى كرسي محمد فرأيت رجلا آخر أكبر حجما منه ويجلس على كرسيه
سألته مباشرة: أين محمد؟ قال لي أنه لم يأت اليوم
سألته هل هو مريض؟
تطلع بي متسآئلا ومدققا بمنظري،من تحت لفوق ومن فوق لتحت
تأكد من منظري الذي لا يوحي أني أعمل لأي جهاز أمني
قال لي لا، سافر محمد
إلى أين؟
إلى أوروبا
أين في أوروبا؟
قال لي مرة ثانية أوروبا، بإشارة منه أن لا أسأل أكثر.
فهمت أنه لا يريد أن يدلي بأي معلومات عن وجهة سفر محمد
فسكتّ.
محمد في مخيم شاتيلا |
ولد محمد في الجناح وإنتقل إلى العيش في مخيم شاتيلا
ذهب إلي المدرسة، و توقف عن الدراسة في سن مبكر
بدأ يعمل كديليفري بوي في شوارع بيروت، من ديليفري إلي أخري ،
إستطاع محمد جمع بعض الدولارات وفتح المحل مع صديق لبناني
كان يعمل في المحل من العاشرة صباحا حتى الحادية عشر مساء، سبعة أيام في الأسبوع
لم يكن لمحمد أصدقاء كثر لا في المخيم من الفلسطنيين ولا خارجه من اللبناننيين
كان محمد يعمل ويعمل فقط
كان يقول لي أنه يحب اللبنانيين، كنت أقول له إنهم منايك
لم يكن مناصرا لا لفتح ولا لحماس ولا لغيرهما
كان يحب فلسطين ويحب العودة إليها-
فمهما كانت حالتها فهي طبعا أجمل من شاتيلا
منذ فترة سألني محمد إذا كان لدي أي واسطة في أي سفارة،
لا أتعامل مع السفارات قلت له ممازحا
في الفترة الأخيرة ملّ محمد من المحل وساعات عمله الطويلة أمام تلفاز صغير يزرزب منه دم القنوات العربية وتفاهة برامجها
لقد إرتفع ضغطه من القهوة التركية وتعبت رواياه من السجائر الفرنسية
فبدأ يتمرن "كيك بوكسينغ" ليتسلى ليس إلا
قبل شهر أو أكثر أخذني محمد إلى المخيم
أراد أن يريني أين تربى وأين لعب الكرة
أراد مني رؤية عذاباته وعذابات الفلسطنيين أهله في هذا المخيم الصغير الكئيب
أدخلني في دهاليزه، رأيت النفايات والوسخ المتكوم في الزوايا
رأيت الشهداء على الحيطان والأعمدة
رأيت البيوت النظيفة بأهلها وبلاطها إن وجد
رأيت أنابيب المياه والنرابيش في الهواء تتمتزج بشرائط الكهرباء والموتور والديش
رأيت منزل محمد الذي بناه بيديه حجرا حجر
رأيت الأطفال يلعبون، ويختبؤن من الغريب
رأيت "آي فون" ب٨٠ دولار
رأيت الإنكسار في عيون والد محمد والنكبة في تجاعيد وجهه،
لم يقول الكثير إلا أنه قال: العرب بحق بعضن مش مناح-
وهذا كان يكفي من الرجل الذي طفح كيله من العرب وغبائهم
كان يشرب القهوة ويدخن ويقلّب بالرموت كونترول
ويتأفف
هذه هي حال الفلسطنيين في المخيم: قهوة ودخان وإنتظار
إنتظار ماذا؟ مش مهم
محمد ملّ من الإنتظار
إكتفي نكسات وعودات ووعود كاذبة
سافر محمد بهدوء ومن دون أن يودعني،
ربما لا يحب الوداع،
ربما لا يجيد الوداع،
ربما لم يكن يريد أن يودعني
سافر محمد في يوم النكسة باحثا عن بلد آخر
بلد يحترمه كإنسان ولا يعامله كلاجئ
بلد بيوته من حجر ، لا تنك
وأرضه من خشب لا بحص ومجارير
بلد يمنحه حق الكلام والإنتخاب،
بلد يمنحه حق شراء شقة أو محل،
بلد يمنحه ضمانا صحيا
بلد قريب إلى مفهوم البلد أكثر من لبنان
فلتكن موفقا صديقي أينما حطت بك الطائرة وأينما أخذتك رجليك
1 comment:
http://www.youtube.com/watch?v=vRVD65tbIRo&feature=mfu_in_order&list=UL+ ما بدي كون بومة بس عسى المستقبل يكون مخبيلو حياة افضل
Post a Comment