I'm not just a donkey - I'm a terrorist one

Wednesday 22 September 2010

كارلوس «إرهابي» في المدينة






الممثل الفنزويلي إدغار راميريز يؤدّي شخصيّة مواطنه إليتش راميريز سانشيز المعروف بـ«كارلوس»الممثل الفنزويلي إدغار راميريز يؤدّي شخصيّة مواطنه إليتش راميريز سانشيز المعروف بـ«كارلوس»الجدل حول فيلم أوليفييه أساياس ينتقل إلى بيروت، حيث صوّر بمشاركة ممثلين لبنانيين، ويختتم «أيام بيروت السينمائية». من سجنه الفرنسي، اختار المناضل الفنزويلي «الأخبار» ليفنّد مغالطات الشريط الذي يمثّّل برأيه «إساءةً للعرب وللقضية الفلسطينية». عودة إلى عمل تلفزيوني سطحي، يعيد كتابة التاريخ على هواه، ويلجأ إلى الكليشيهات والتحريف والاختزال الكاريكاتوري

باريس ــ عثمان تزغارت
بعدما أثار جدلاً حاداً في «مهرجان كان السينمائي» الأخير، وفجّر خلافات غير مسبوقة في إدارة المهرجان العريق (راجع «الأخبار»، 3 أيار/ مايو 2010)، يعود فيلم «كارلوس أو ثمن ابن آوى»، للفرنسي أوليفييه أساياس إلى الواجهة مجدداً. الجدل حوله انتقل إلى الضفة الأخرى من المتوسط، فيما لا يزال الصراع القضائي محتدماً في فرنسا بين منتجي هذا الفيلم (تلفزيون «كانال بلوس» وشركة الإنتاج Film en stock التي يديرها دانيال لوكونت)، والمعني الأول بالأمر الذي استُوحيت قصّة الفيلم من سيرته، وهو الثوري الفنزويلي إليتش راميريز سانشيز، الشهير بلقب «كارلوس». هذا الأخير يرى في هذا الشريط «بروباغاندا صهيونية تحريفية وكاذبة». ويقول إنّها لا تسيء إليه شخصياً فحسب، بل أيضاً إلى «القضية الفلسطينية والشعوب العربية والإسلامية».
التسجيل الصوتي الكامل للمحادثة الهاتفية التي أجرتها «الأخبار» مع كارلوس

وفي الدعوى التي رفعها كارلوس، قال: «أعرف سمعة المخرج أوليفييه أساياس وحرفيته، ولا أشك في أنه عمل على إنجاز هذا العمل بروح فنية عالية. لكنني أدرك جيداً أن الشركة المنتجة للمسلسل Film en stock التي يديرها دانيال لوكونت وتلفزيون «كانال بلوس»، لهما ارتباطات، لا تخفى على أحد، بجهات ولوبيات معادية لي ولمساري النضالي. وهي جهات صهيونية إسرائيلية وأميركية، وليست فرنسية...».
وتأتي مبادرة «أيام بيروت السينمائية 6» باستضافة هذا الفيلم الإشكالي لتثير الحسرة في نفس كارلوس الذي يذكّر في اتصال هاتفي خاص مع «الأخبار» بأنّ بيروت ليست مجرد عاصمة عربية مثل غيرها، بل إنّها «عاصمة الثقافة والحرية العربيتين، وهي أيضاً عاصمة المقاومة».
لكن على الرغم من مآخذه العديدة على الفيلم (راجع الكادر أدناه)، وتحفّظه على قرار عرضه في مهرجان سينمائي عربي، إلا أنّ الثوري الفنزويلي لا يؤيّد المطالبين بحظره أو منع استضافة أوليفييه أساياس في «أيام بيروت»، إذ يقول: «لست مع مقاطعة الجمهور لهذا الفيلم، لأنّني لا أحب الرقابة. لقد عشتُ سنين طويلة في بلدان تمارس الرقابة، سواء في العالم العربي أو في الاتحاد السوفياتي سابقاً، ولم أحب ذلك. أنا لا أعدّ الرقابة وسيلة للمواجهة الفكرية. بالطبع، لا بد من رقابةٍ أخلاقية حين يتعلق الأمر، مثلاً، بأفلام تمثّل اعتداءات جنسية على الأطفال، لأنّها جريمة أخلاقية يجب التصدي لها. لكن الرقابة لا يمكن أن تكون سلاحاً في أي مواجهة فكرية، لأنّها دائماً ذات مفعول عكسي. يجب الاحتجاج، لكن من خلال مقارعة الحجة بالحجة، ووضع الطرف الآخر أمام وقائع وقرائن ملموسة تدحض ادّعاءاته».
ويضيف كارلوس: «يجب أن نواجه فريق الفيلم بالأدلة والحقائق التاريخية، لنكشف ما قام به من تلاعبات وتلفيقات. وهناك عدد من الشهود اللبنانيين البارزين على الأحداث التي تناولها الفيلم، ويجب عليهم أن يضطلعوا بهذا الدور».

أحمد قعبور في مشهد من الفيلمأحمد قعبور في مشهد من الفيلم

ويناشد كارلوس ـــــ خصوصاً ــــ أنيس النقاش، رفيقه السابق في «عملية الأوبك» (خطف وزراء نفط «منظمة أوبك» في فيينا في عام 1975)، داعياً إياه إلى تحمّل مسؤولياته في التصدي لما نسبه إليه الفيلم من «أكاذيب» ومنها، مثلاً، زعم أنّ الرئيس العراقي السابق صدام حسين هو الذي دبّر تلك العملية!
الادعاء أنّ صدام حسين هو الذي دبّر «عملية أوبك» ليس المغالطة التاريخية الوحيدة التي يتضمنها الفيلم. في مرافعة طويلة قدّمها كارلوس ضمن الدعوى التي رفعها ضد الفيلم في المحاكم الفرنسية، دوّن ملاحظات تفصيلية على سيناريو الفيلم، رصد من خلالها 72 مغالطة منافية للحقائق التاريخية المعروفة التي يمكن التثبت منها من خلال العديد من المصادر والمراجع المفتوحة.
من أبرز تلك المغالطات أنّ الفيلم يزعم أنّ «أبو إياد» هو الذي استقطب كارلوس أيام كان القائد العسكري لـ«الجبهة الشعبية»، فيما من المعروف أن «أبو إياد» لم ينتم يوماً إلى «الشعبية»، بل كان من قيادات «فتح».
الفيلم تعمّد أيضاً الانتقاص من مكانة المناضل الدكتور جورج حبش، زاعماً أنّ وديع حداد ومقاتلي «شعبة العمليات الخارجية» كانوا يعدّونه «متخاذلاً». وهو الأمر الذي ينفيه كارلوس نفياً قاطعاً، مذكّراً بأن «الحكيم» ظل لغاية وفاته بمثابة القائد الذي يهابه ويحترمه الجميع. كذلك ينفي كارلوس أن يكون هو أو ذراعه اليمنى يوهانيس فاينريش يصفان ياسر عرفات بكلمات مهينة من قبيل «خائن» أو «كلب» كما جاء في الفيلم!
إلى ذلك، تضمن السيناريو الكثير من الأخطاء المضحكة، والوقائع التي تفتقر إلى الدقة: ومن هذه المغالطات مثلاً، الحديث عن معارضة عرفات بسبب «مسار السلام» في نقاش بين كارلوس وفاينريش يُفترض أنه دار في برلين الشرقية خلال شهر كانون الثاني (يناير) 1975! فضلاً عن إظهار صدام حسين رئيساً للجمهورية العراقية في مشهد يعود إلى فترة الإعداد لـ«عملية أوبك» (1975) التي سبقت وصوله إلى الرئاسة بأربع سنوات (1979).
لكنّ المأخذ الأهم على الفيلم لا يكمن في افتقاره إلى الدقة، ولا في جنوحه المتعمّد لتحريف الكثير من الوقائع التاريخية المثبتة. الإشكال الأكبر يتمثل في تعمّد إظهار المناضلين الأمميّين الأجانب (غير العرب) الذين التحقوا بصفوف المقاومة الفلسطينية، كأنهم زمرة من المجرمين الدمويين والمرتزقة الذين تتلاعب بهم أجهزة الاستخبارات العربية من خلال إغداق الأموال عليهم.
هكذا، على امتداد خمس ساعات ونصف ساعة (بالنسبة إلى النسخة الطويلة التي عُرضت في «مهرجان كان» ثم على شاشة «كانال بلوس») أو ساعتين و45 دقيقة (في الصيغة السينمائية المختصرة التي طُرحت في صالات العرض الأوروبية مطلع شهر تموز/ يوليو الماضي)، لم يرد
بدا ورفاقه أشبه بعصابة مجرمين، أما القضيّة الفلسطينيّة فلا يعرف عنها السيناريو شيئاً

في بال صانعي الفيلم أن يتساءلوا، ولو بنحو عابر، عمّا دفع شاباً مثل كارلوس وُلد وتربّى في كنف عائلة بورجوازية فنزويلية، إلى رهن حياته للقضية الفلسطينية. بدلاً من ذلك، سعى الفيلم إلى تقديم كارلوس في صورة كاريكاتورية بوصفه شخصاً عصابياً مولعاً بالعنف، يتسلّى بفك القنابل اليدوية بأسنانه، ويتناول المهدّئات، ودافعه الأساسي هو استقطاب أضواء الشهرة والنجومية الإعلامية من خلال الاتصال شخصياً بـ«وكالة فرانس برس» لتبنّي العمليات التي يقوم بها.
واللافت أن القضية الفلسطينية مغيّبة تماماً عن الفيلم. فكارلوس ورفاقه أشبه بعصابة من المجرمين الذين يحرّكهم الولع بالعنف المجاني، والسعي وراء المكسب المالي، يقضون أغلب أوقاتهم في شرب الخمور وتناول المخدرات ومعاشرة بنات الهوى. وليس في الفيلم مشهد واحد يشير إلى انتماءاتهم الفكرية، أو خلفياتهم ودوافعهم الإيديولوجية، أو يبرز أنّهم يخوضون صراعاً سياسياً مسلحاً ضد عدو اسمه إسرائيل. حتى إن الفيلم لم تظهر فيه أي شخصية إسرائيلية، باستثناء اللورد الصهيوني جوزف ـــــ إدوارد سييف الذي حاول كارلوس اغتياله في لندن عام 1973. وقد عُدّل اسمه في الفيلم من «جوزف ـــــ إدوارد» إلى «جون» للإيحاء بأنه بريطاني! هذا هو البعد «الروائي» الذي يختبئ خلفه أساياس.
لكلّ هذه الأسباب، يقول كارلوس في ختام حديثه الهاتفي مع «الأخبار»: «أتمنى أن يكون عرض الفيلم في بيروت، والنقاش الذي سيليه، مناسبة لفتح مواجهة فكرية مع أوليفييه أساياس، من أجل فضح مغالطات الفيلم، ولكي يستوعب الجمهور مقدار ما يتضمنه من إساءة. فلا بد من أن يعرف الجميع أن المنظور التاريخي للفيلم رسمه مؤلفون أميركيون، وأن الإنتاج كان بأموال صهيونية. وبالتالي، فهو عبارة عن بروباغاندا معادية لنا كمناضلين أمميين، وللقضية الفلسطينية وللشعوب العربية والإسلامية».

«كارلوس أو ثمن ابن آوى»: 6:00 مساء 25 أيلول (سبتمبر) ـــــ ختام «أيام بيروت السينمائيّة»

أساياس ضيفاً ثقيلاً

تدافع إليان الراهب عن خيار عرض «كارلوس» في ختام «أيام بيروت السينمائية»: «من الصعب أن نتجاهل شريطاً صوّر في لبنان، وشارك فيه أكثر من عشرين ممثلاً لبنانياً». وتلفت إلى أنّ «أوليفييه أساياس (الصورة) ليس عربياً، وقد نظلمه إن أردنا تحميله كلّ إرثنا النضالي». (كل ما نطلبه منه عدم تزوير «إرثنا النضالي» ـــ التحرير) وترى هانية مروة أنّ «عدم عرض الشريط لأنه لا يتوافق بالضرورة مع رأينا نوع من الرقابة». وتضيف: «نحن لا نختار حصراً الأفلام التي نوافق على مضمونها، بل تلك التي تفتح المجال للنقاش». (اللوم هو على تكريسه مسك الختام، أما العرض فمطلوب طبعاً)

No comments: