منذ طفولتي ظننت أن الثوم هو لبناني الأصل والشهرة، أمي قالت لي هذا، ليس شفويا، بل بكميات الثوم الضخمة التي استهلكتها عندما كنت أكبر. فعشت مع الوهم والرائحة. قلت لنفسي أن الثوم يزرع و يحصد في البقاع، فالأرض جافة هناك، كنت أشم رائحة الثوم من على أعالي ضهر البيدر كلما ذهبنا في رحلة مدرسية إلى بعلبك والبردوني في زحلة. كنا من مدمني الثوم في البيت، الثوم كان حاضرا في كل أكلة: بيض بكمون مع ثوم، سندويش دجاج مع توم، سلطة مع حص ثوم صغير. الحمص، المتبل، اليخنة كلو ثوم . كنا نستهلك الثوم بكميات مهولة، ربطة الخبز كانت تأتي دائما مع ربطة الثوم. مع ذلك أمي لم تكتفي، أصبحت تعطينا الثوم في الحليب، وتضيفه خلسة الى المناقيش و انتهى بها الأمر بأن تجبرنا أنا وأخوتي بزلط حص ثوم كل صباح قبل المدرسة وفرشاة الأسنان. الثوم مفيد للقلب. رائحة الثوم لم تضايقني يوما، حاسة الشم خاصتي تفضلها على الأرماني و الكوكو شانال. فالثوم هو جزء من حياتي وتراثي وهويتي اللبنانية. الا أن ومنذ فترة قصيرة ألمت بي فاجعة. اكتشفت أن الثوم الذي أصبح جزء مني والسائل في دمي مثل الكرويات الحمر هو ثوم مستورد من الصين. كنت أعلم أن الصين تنتج كل شيء، وتزرع كل شيء لكن لم أكن أعرف أننا نستورد الثوم في لبنان من الصين. فبدأت أتساأل: هل ياترى لم يزرع الثوم أبدا في سهل البقاع؟ هل أن الرائحة التي كنت أشمها هي رائحة محض خيالية ؟ هل الثوم هو كذبة لبنانية أخرى؟ كالحمص والتبولي والمحكمة؟ هل كانت تعلم أمي أن الثوم صيني؟ هل تعلم وزارة الزراعة أن الثوم باستطاعته أن ينمو في لبنان؟ هل تعلم هذه الوزارة أن زراعة الثوم أرخص من استيراده؟ وخاصة من مكان قريب كالصين
No comments:
Post a Comment