كأنّ ما جرى في حماه يومَي الجمعة والسبت لم يُسل ما يكفي من الدموع، فكان لا بدّ من فتح جرح آخر في مجدل شمس.
كأنّ إشراك قَتَلة آخرين، يجعل من القتل أمراً عادياً، جزءاً من الحياة اليوميّة.
كأنّ الاستشهاد على الحدود مع فلسطين المحتلّة يراد له أن يعطي دروساً في القضايا التي يصحّ النضال من أجلها. فالقتل هناك يُسقط شهداء، أمّا الموت في تظاهرة من أجل الكرامة، فلا يستحقّ حتّى الجنازات الآمنة.
كأنّ ثمّة من يريد توجيه بوصلة التحرّكات الشعبيّة، كما لو أنّ الشباب في سوريا يعانون أزمة ترتيب أولويّات.
كأنّ ثمّة من يريد أن يقيم تعارضاً بين رؤية فلسطين ورؤية سوريا الديموقراطيّة.
كأنّ الرسائل إلى الداخل والخارج ينبغي أن تُخضَّب دائماً بدماء فلسطينيّة. كأنّ الفلسطينيّ الذي سلبه الاحتلال أرضه، ينبغي سلبه أيضاً طريقة موته وموعد الدفن.
كأنّ ثمّة من يريد لنكسة حزيران ألا تصبح ذكرى، بل أن تعود كلّ يوم لتذكّرنا بأنّ الهزيمة رفيق دائم للأنظمة المتكلّسة، وأنّ أسطورة الفلسطينيّ المقاوم ستجد دائماً من يريد تحطيمها، أو الاتجار بها، أو توظيفها في بازارات وقضايا لا علاقة لفلسطين بها.
متظاهرون على الحدود السوريّة ــ الإسرائيليّة في الذكرى الـ44 للنكسة - أ ف ب |
وحدهم الشباب الذين ارتضوا، رغم كلّ شيء، أن يضحّوا بأنفسهم من أجل النظر إلى أرضهم المسلوبة، والمستعدّون دوماً للعبور إلى «هناك» مهما تكن المخاطر، يثبتون أنّ نكسة 5 حزيران لا يمكن أن تستمرّ، وأنّ ما نعيشه اليوم ليس إحياءً لذكرى النكسة، بل مراسم الوداع لها.
فأولئك الشباب الذين قضوا في الجولان هم من جيل واحد مع الشباب الذين رسموا طريق الحرية في ميدان التحرير في القاهرة، وهم من جيل واحد مع الذين حوّلوا «البوعزيزي» إلى أيقونة ترشح حريّة من المحيط إلى الخليج.
لقد ودّعت مصر نكستها يوم انتصرت على خوفها. وكما أنّ النكسة لم تكن نكسة مصر وحدها، كذلك بدأت المدن العربيّة تخلع عنها أكفان الخوف، وتُعدّ نفسها لعرس الحريّة
خالد صاغية - جريدة الأخبار ٦\٦\٢٠١١