I'm not just a donkey - I'm a terrorist one

Monday 18 June 2012

سيرة مريض نفسي | الجزء الأول

الحمار الإرهابي و ثريا سيقومان بنشر "سيرة مريض نفسي" لعادل نصار في سبعة أجزاء على مدى إسبوع 
سيرة جديرة بالقراءة 

"بعد محاولات قام بها الأطباء طيلة عشرين عام لتشخيص طبيعة مرضي وما نجحوا وما استطاعوا أن يمنعوا المرض من التفاقم دوماً.هنا محاولة من قبلي للإدلاء بدلوي في شأن يخصني علّني أصيب أو أصوب الأمور في الإتجاه الصحيح"
                                                        عادل نصار





الإنتباه
لم يكن ربيع العام 1976 موعداً مع إختفاء شقيقي الأوسط أثناء إحدى معارك الجبل الشهيرة فقط.

وأيضاً لم يكن خريف العام 1976 موعداً مع موت أمي وأبي وشقيقي الأصغر ونجاة أخي الأكبر في إنفجار لغم أرضي بسيارتهم التي تقلهم الى مدينة صيدا الجنوبية فقط.

كان لي موعداً مع نوع آخر من الأمور رافقني طيلة حياتي وحتى لحظة سفر ولدي الوحيد الى بلاد الإغتراب اللبناني الأول في أميركا الجنوبية أي البرازيل .

كان لي موعد مع الإنتباه واليقظة الدائمين أنهما رفيقاي في حياتي ما جعلني أفقد لذة النوم والإسترخاء وجعلني دائم التوتر.

فذلك السبات والغفلة التي يعرفهما المرء في صغره في ظل وجود الأهل والإطمئنان الى أن الحياة تسير بشكلها الطبيعي والروتيني , لم يعد موجوداً فجأة.

لم أعد مطمئناً الى أن الحياة لا تخبئ الأعظم ولم أعد قادراً على السهيان أو الخلود الى الراحة, دائماً ما كنت أنتظر شيئاً ما حدثاً ما وبالفعل كان بإنتظاري مرضي النفسي ومحاولة ولدي تكرار تجربتي في الإنخراط بأحد الأحزاب العسكرية التي كانت تجعلني أتصور وأنتظر مجيء موته بين لحظة وأخرى أو موتنا جميعنا بفعل إشتباك داخلي أو حرباً إسرائيلية نكون من بين ضحاياها خاصة بعد أن مكث في الضاحية الجنوبية في حرب العام 2006 في أحد ملاجئ بناياتها لمدة تسعة أيام أو أكثر بقليل. الأمر الذي أنهك أعصابي وأتلفها تلفاً شديداً.

والإنتباه أو تركيز إهتمامك على حدث قادم تجهله يعيق حركة الإنسان ويجعله لا يجيد عمل شيء ولا حتى أن يبرع في شيء فأنا ورغم إمتشاقي للسلاح إلا أني ما كنت أجيد استعماله وكنت كلما حملته ترتجف يداي والإرتجاف مرض عانيت منه طويلاًوحتى اللحظة فأنا أصاب بها حتى إذا ما قمت بأدنى عمل وأرتبك في البدايات من النقاش من الأعمال اليدوية أصاب برجفة برد قارس دوماً تصاحبني طويلاً تجعلني عاجز عن الدفاع ليس فقط عن وجهة نظري بل حتى عن أبسط حقوقي التي أقوم بالقفز عنها وتجاوزها لأنني لا أشعر بأنني سأمتلكها لوقت طويل ولن أحافظ عليها بل سيأتي شيئاً ما يبددها وينتزعها مني لذلك لا داعي للصراع على حقوق سأفقدها في نهاية الأمر, إنه الإنتباه, إنها اليقظة الدائمة , إنه المرض.

الإنتباه واللعب في الطفولة أمران متناقضان الا أنهما كانا متصلان ومترابطان في مرحلة طفولتي غداة وفاة أمي وأبي وأستطيع أن أتبين الفرق بين قبل الوفاة وبعدها حيث أنني أثناء لعبي في ظل وجودهما لم أكن أفكر في اللعب الذي ألعبه أو طبيعته كنت طفلاً غفلاً بهذا المعنى لا يعير إهتماماً للمخاطر وكنت أستمتع وألعب غير مقدراً للأبعاد والحدود الواجب الوقوف عندها في ما بعد وبعد وفاتهم كان التفكير سيد الموقف والتدقيق , لذلك لم أكن أستمتع بألعابي وظل السؤال لماذا لا أجيد القيام بما يقوم به أترابي مع أني كنت من المتفوقين عليهم في الألعاب البدنية والشيطنة على أنواعهافيما بعد لم يعد جسمي ملكاً لي أصبح أسير الإنتباه الدائم والتيقظ المستمر اللذين أعاقا حركتي وطفولتي التي توقفت عن عيشها غداة موتهم.

الإنتباه رفيق العمر والدرب منذ الطفولة, الطفولة البائسة والتعيسة في أجواء البرد القارس والحر الشديد حيث لا أجيد عمل شيء وحيث من الطبيعي أن يكون الفشل المدرسي سيد الموقف فكنت أعمد الى كل أشكال التزوير كي أنتقل من مرحلة دراسية إلى أخرى وكانت فترة التزوير مثل سرقة أسئلة الإمتحانات والتوترات غير الطبيعية والمبالغ فيها من قبلي التي ترافقها تؤذي أعصابي وجهازها بالأضافة الى نفسيتي , وكنت دوماً أحاول تركيب صورة مغايرة عن شعوري الدائم بالعجز والفشل في أذهان الآخرين متعمداً تصوير نفسي بصورة الولد الأخلاقي والمجتهد رغم الظروف البائسة التي ترافق حياتي فنجحت دوماً مع الآخرين ربما بفعل الشفقة التي كان يتعاطف بها معي الآخرين في ظل كارثتي العائلية والتسامح الكبير من قبلهم الأمر الذي سمح لحيلي بالإنطلاء عليهم إلا أنها لم تنطلي على نفسي فأنا فاشل دراسياً وفي حالة فقر وبؤس فقررت مغادرة مقاعد الدراسة وأنا في سن الخامسة عشر للإلتزام والتطوع بأحد الأحزاب العسكرية في العام 1980 واضعاً حداً لفترة من حياتي مفتتحاً مرحلة جديدة عنوانها الرجولة في سن مبكرة , رجولة لم يقيد لي ممارستها بفعل عدوّي الآنف الذكر أي الإنتباه.

الإنتباه ليست حالة بالمعنى الإيجابي للكلمة بل على العكس من ذلك إنها حالة تشبه اليقظة الدائمة لإنسان لا يلاحظ شيئاً في النهاية ولا ينتبه لأي شيء ولا يتأكد من أي شيء يراه أو يلمسه هو في حالة شك دائم مما يراه ولا يستطيع أن يستخلص شيء من ملاحظات ولا يستطيع أن يعطي تقريراً قصيراً عما كلف به فهو غالباً ما يقع إما في المبالغة أو التقليل من شأن ما يراهبهذا المعنى هو غير دقيق وحاولت دوماً أن أنمي ملكة سرد كل التفاصيل لأترك للآخرين الحكم عما رأيته أو مشاهدته أو لاحظته إذا ما كان مهماً أو لا.

كنت غير جدير بالحكم على الأشياء حتى وإن كانت لصالحي فأنا أجهل إن كان ما يحصل معي إيجابياً أو سلبياً وأترك أيضاً الحكم للآخرين على ذلك وكنت أجهل إن كنت محل تقدير أو لا.كنت لا أعرف كيف يتصرف الأشخاص الأسوياء بهذا المعنى كنت رمادياً لا أعرف متى أغضب ومتى أهدأ وغضبي كان من النوع البركاني وفي فترات متباعدة وكان غالباً ما تكون الأسباب تافهة إلا أنها تفجر كل الذي أكتمه من غيظ وغضب لذلك كانت أفعالي غير متوقعة كالألغام التي تنفجر فجأة سلباً أوإيجاباً غضباً أو صفحاً عن الآخرين.

لم تكن المهن التي عملت بها من النوع العادي في طفولتي رغم أني من النوع الذي ذكرت أي الشخص الذي لا يجيد صناعة شيء فقد كنت ولسنوات بصحبة السلاح دون أن أطلق الرصاص يوماً بالمعنى الفعلي للكلمة على شكل إشتباك أي حرباً ما وكان السلاح يهتز في يدي حين أطلق النار ويرتجف بها جسدي كله لا أدري أسباب ذلك وأن كنت أعزوها لعدم التصالح مع هكذا أنواع من الأعمال الخطرة وكنت أفضل الهدوء والسلام ولم تغيرني هذه المهنة رغم أني بقيت فيها لمدة تتجاوز العشر سنوات فأنا كنت مقاتلاً وحرساً للمركز الرئيس لأحد الأحزاب ومرافقاً لشخصيات هذا الحزب إلا أنني لم أستسغ أي منها وتكلفتها على أعصابي كانت مرتفعة بسبب قلة النوم والراحة التي أعزوها لحالة التيقظ الدائمة والإنتباه غير المبرر فكنت أحاول معالجتها في الإدمان على الكحول التي لم أجد أيضاً فيها لذة في تناولها إلا أنني ومجاراة للوضع وفي سياق المبالغة والتبجح ومحاولة صنع أسطورة لنفسي والتماثل مع الآخرين كنت أقاوم سكري الذي يدب فيي بعد أول زجاجتين من البيرة وأصبح شخصاً لا يدرك ماذا يفعل وأقول أشياء لا معنى لها كل هذه الأعمال في محاولة لرسم ملامح أفتخار ما بصفتك شخص مميز موثوق به في الحزب وتكلف بمهمات لا يكلف بها غيرك وسلوكك المثالي وسكير ولا يأبه للعائلة رغم الخسارة التي منيت بها ويرهن روحه ومستقبله للقضية على حد تعبيرنا الشائع آنذاك.

لم أكن أجيد عمل شيء حتى ممارسة الجنس بطبيعة الحال رغم معرفتي بالعديد من النساء إلا أن الإرباك كان سيد الموقف كما أن العناية بالهندام والإستحمام كنت أتلكأ في عملهما كنت شديد الميل إلى الإكتئاب والحزن وأمر فيها في دورات طويلة منها وفجأة يعم الإنشراح على أعصابي الأمر الذي جعلني عاجزاً جسمانياً عن مواكبة هذا الفوران من الإنشراح ويعيق حركتي فأشعر بحاجة ماسة لممارسة الجنس والخروج مع النساء لكن سرعان ما تنقضي هذه الحالة بفعل الذروة السريعة التي أصلها جنسياً ومزاجياً الأمر الذي يجعلني في حمأة الفوران أرتكب المزيد من الأخطاء وأعود من جديد لأهمل نفسي وهندامي ولأدخل من جديد في دوامة الحزن والإكتئاب الشديدين , الخوف عامل إضافي في تجربة الإنتباه الدائمة وكنت أحارب الخوف بالتوجه نحو مصدر الخوف بمحاولة الهجوم عليه الأمر الذي يزيدني رعباً إذ أنه من غير الممكن أن تكون بطلاً في الحرب الأهلية وأنت خائف لذلك بعد كل تجربة من هذا النوع كنت أصاب بدوار برد ورجفان وتفكير وشرود دائمين لكثرة الصدمات وما أكثر ما تعرضت لها بفعل مواجهتي لخوف الحروب وللحالات التي وجدت فيها نفسي عرضة لخطر الموت أو لمجازفة الموت فكنت أتذكر دوماً إخوتي وأهلي الذين قضوا وكنت أصبح مجنوناً حيث أسير على طبيعتي في بعض الأحيان وأتلذذ بخوف الآخرين.

إنه شعور من خسر كل شيء ولا بأس إذا خسر نفسه فلن يغير في الأمر شيئاً أن يصبح في عداد الموتى شخص إضافي من عائلتي الذي هو أنا وبالمناسبة كنت أتلذذ في صغري بفكرة تشييع أفراد أسرتي الذين بقوا على قيد الحياة وأتصور موتهم جميعاً وأبقى أنا على قيد الحياة بطلاً تراجيدياً يواجه مصيره بأنفة بالغة إنها لعبة الموت في بلاد لا تجيد سوى صناعة الموت ولا تفكر أبعد من ذلك أخوتي أحبكم جميعاً الآن كما الأمس.
                                                      يتبع



سيقام حفل توزيع مجاني لهذه السيرة نهار الإثنين ٢٥\٦\٢٠١٢ في  

No comments: